حكاية من الشتات

الطريق إلى الوطن أجمل من الوصول إليه !!! قرأت هذه العبارة مكتوبة بخط اليد في الصفحة الأولى من ديوان للشاعر المصري أحمد رامي و كان الشهيد أحمد الزمار ( أحد أفراد مجموعة عين عطا ) قد كتبها قبل استشهاده بأيام وذلك قبل ذهابه هو و باقي أفراد المجموعة إلى البقاع اللبناني أثناء الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982. كانت المجموعة التي انطلقت من مخيم حمص قد قررت الوصول إلى بيروت المحاصرة في ذلك الوقت , و عند وصولهم إلى مركز تجمع المتطوعين في معسكر عدرا تم إبلاغهم أن هناك تعميم من الأخ الشهيد القائد أبو جهاد بوجوب الامتناع عن محاولات الدخول إلى بيروت لعدم جدوى ذلك من الناحية العسكرية و لعدم السماح للجيش الإسرائيلي بإيقاع مزيد من الخسائر في صفوف المقاتلين الفلسطينيين خاصة و أن غالبيتهم من المتطوعين اللذين لم يتلقوا التدريب الكافي لخوض مثل هذه التجربة و هم في غالبيتهم من الطلبة الفلسطينيين المتطوعين القادمين من كل أنحاء العالم , و كانت محاولات الدخول إلى بيروت في ذلك الوقت مطلوبة من بعض المجموعات المدربة و الخاصة لنقل أنواع محددة من الذخائر و العتاد لقوات الثورة المحاصرة في قلب العاصمة اللبنانية بيروت و كانت تلك المجموعات تتبع لقيادة الأخ الشهيد أبو جهاد و منها المجموعة البحرية التي كانت تحاول الدخول إلى بيروت عن طريق البحر انطلاقا من طرابلس لبنان و التي لم يعرف مصير أفرادها حتى الآن ( مجموعة أبو محمد فكري السعدي ) .
الشهيد أحمد الزمار و المجموعة الطلابية التي معه في ذلك الوقت قد قرروا أن يدخلوا إلى بيروت بطريقتهم الخاصة , و بالاعتماد على الإحساس العالي بالمسؤولية و التفاعل الإيجابي مع الأحداث و المفاصل التاريخية التي يمر بها شعبنا العظيم و ثورتنا حتى لو لم يفهم البعض في ذلك الوقت معنى ذلك و اعتبروه تجاوزاً أو خروج عن الالتزام و غير ذلك من المفردات التي استخدمت من قبل البعض في تلك المرحلة و المواقف التي اتخذوها من تلك المجموعات على الرغم من أن بعض تلك المجموعات قد استطاعت القيام بعملية الأسر المشهورة و المعروفة عام 1982 للجنود الإسرائيليين و التي تمت بموجبها عمليات التبادل بأسرانا في معتقل أنصار و الطالب المتطوع الذي قام بقيادة المجموعة التي قامت بالعملية موجود الآن على أرض الوطن و قصة العملية أصبحت جزءاً من رواياتنا اليومية التي نحكيها لأبنائنا في كل يوم.
الشهيد احمد الزمار و مجموعته التي عرفت فيما بعد ب ( مجموعة عين عطا ) ذهبوا إلى واجبهم للقيام بما كان عليهم أن يقوموا به و هم يدركون أنهم إذا ما عادوا أحياء من تلك المحاولة عليهم أن يواجهوا عقوبات تنظيمية لعدم امتثالهم للقرارات و التعاميم الداخلية التي صدرت في ذلك الوقت عن مكتب التعبئة و التنظيم و التي في معظمها كانت تطلب من الجميع الحفاظ على الذات و التوقف عن المحاولات للقيام بأي عمل فردي
الشهيد أحمد و المجموعة التي معه قرروا ألا يقفوا متفرجين أو أن يكونوا شهودا صامتين على ذبح و قتل أبناء الشعبين الفلسطيني و الشعب العربي اللبناني , و بشكل مسبق اتخذوا قرارهم بأن يتحملوا كل المسؤولية المترتبة عن سلوكهم في تلك المرحلة و أن يقبلوا بأي قرار يتخذ من قبل التنظيم بشأنهم .
انطلقوا إلى لبنان من الأراضي السورية عبر الطريق الذي كان يعرف باسم ( فتح لاند ) و هو الطريق الذي كان يسلكه الفدائيين و المتفق عليه بين الحكومة اللبنانية و منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الاتفاق الذي رعاه الزعيم الراحل الكبير جمال عبد الناصر ومن هناك استطاعوا التزود بالسلاح من أحد المواقع التابعة لحركة فتح و انطلقوا باتجاه الجنوب اللبناني في ظل الوجود المكثف للقوات الإسرائيلية حينها ,و عند وصولهم إلى محيط قرية عين عطا اشتبكت المجموعة الفلسطينية الصغيرة الغير مدربة بأسلحتها الفردية الخفيفة مع قوة دبابات إسرائيلية لمدد اختلف الرواة من أهل القرية في تحديدها و زكر تفاصيلها و لكن , بإجماع أغلب سكان القرية أن معركة حقيقية جرت بين المجموعة و بين ا لقوة الإسرائيلية المدرعة لمدة لا تقل عن الأربع ساعات و كانت أصوات القذائف المتواصلة مسموعة حتى مسافات بعيدة من مكان الاشتباك و من كل القرى البعيدة عن عين عطا المجموعة كانت مكونة من خمسة طلبة فلسطينيين في مرحلة التخرج من الجامعة
الشهيد أحمد الزمار لم يحضر حفل تخرجه من كلية الهندسة و قامت والدته بتسلم الشهادة عوضا ًعنه لتضعها في إطار بالقرب من لوحة تراثية للعرس الفلسطيني و خارطة لفلسطين , و في بيروت أثناء الاجتياح سألني أحد الأصدقاء من خلال مكالمة هاتفية أجريتها معه من بيروت فيما إذا شاهدت أحداً من أفراد المجموعة أو إذا كانوا قد وصلوا إلى بيروت أم لا ؟ هم وصلوا يا صديقي و أرواحهم كانت و لازالت تطوف فوق سماء بيروت و القدس , يا صديقي شهداءنا أحياء و هم العصافير التي لم تزل تسكن أشجارنا و بيوتنا ومخيماتنا و كل المدن التي تختزنا في المنافي و في الشتات , يا صديقي الشهداء هم العصافير التي تسكن كل الأماكن و المدن , و كما كانت تقول جدتي أن المدن التي لا تسكنها العصافير كل من فيها كلاب ,
الشهيد أحمد الزمار و أفراد المجموعة الفلسطينية الصغيرة باستشهادهم في تلك المواجه انضموا لأسراب العصافير التي تسكن فينا قبل أن تسكن في بيوتنا و مخيماتنا و أثبتوا بذلك أن الانتماء لشعبنا و ثورته العملاقة يسحق منا الاستعداد الدائم للتضحية و بذلك نبني اللبنة الأولى في صرح العلاقة الصادقة و الحقيقية مع شعبنا العظيم ,
و بذلك أيضاً نفهم كيف يصبح الطريق إلى الوطن أجمل من الوصول إليه .
عاشت الذكرى أل ( 45 ) لميلاد شعبنا العظيم و انطلاقة ثورته المعاصرة و المجد كل المجد لشهدائنا و أمير كوكبتهم و صانع ميلادنا الفارس الشهيد الرمز أبو عمار

ملاحظة : لا يوجد أية أخبار أو معلومات مؤكدة عن جثامين الشهداء الخمسة و هناك رواية تقول إن قائد القوة المدرعة قد أمر بدفن الشهداء من خلال مراسم عسكرية في نفس مكان المعركة تقديراً للشجاعة التي أبداها أفراد المجموعة أثناء المواجهة التي جرت مع قواته
مع تحيات صقر غزة ....أبوريما....